تحولات جيوسياسية- أوروبا بين العولمة وتحديات روسيا المتصاعدة
المؤلف: عبدالرحمن الطريري11.11.2025

العالم اليوم يشهد تحولاً بالغ الأهمية، حيث تتراجع أهمية العولمة لصالح الاهتمام بالشؤون الجغرافية المباشرة. نرى أوروبا منشغلة بالنزاع المتفاقم في منطقة الشرق الأوسط، لكنها تعتبره معضلة ذات أولوية محدودة. وبالمثل، يراقب الشرق الأوسط الصراع الدائر بين أوكرانيا وروسيا، لكن باهتمام أقل من المشاكل الداخلية المتراكمة في السودان، أو تلك الصراعات الملتهبة مثل المواجهة بين إسرائيل وإيران وحلفائها.
اليابان وكوريا الجنوبية تبديان انزعاجهما العميق إزاء اتفاقية الدفاع المشترك والمساعدة العسكرية المتبادلة التي أبرمت بين روسيا وكوريا الشمالية. هذه المعاهدة تعني أن روسيا والصين أصبحتا جارتين بشكل مباشر لكوريا الجنوبية واليابان، بالإضافة إلى كوريا الشمالية، وهو ما يفرض تحديات جسيمة على الأمن الاستراتيجي لهذين الحليفين الغربيين. هذه التطورات تثير قلق أستراليا أيضاً، وإن كان ربما بدرجة أقل حدة.
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فالاتفاقية المذكورة أسفرت، كما تؤكد واشنطن ومصادر عديدة، عن مشاركة جنود كوريين شماليين في الصراع الروسي الأوكراني. هذه المشاركة تمنح القوات الكورية الشمالية خبرات قتالية ثمينة، وهو عنصر كان ينقصها بشدة، حيث لم تشارك في أي عمليات قتالية منذ عام 1953. إضافة إلى ذلك، تتيح لهم هذه الفرصة اختبار فعالية صواريخهم، التي بدأت روسيا بالفعل في استخدامها، مما سيؤثر سلباً على التوازن الأمني في شبه الجزيرة الكورية. ومع ذلك، سأركز في مقال اليوم على التداعيات المحتملة على الساحة الأوروبية.
التحرك الروسي ينم عن رغبة واضحة في تغيير موازين السيطرة الميدانية قبل الانتخابات الأمريكية المرتقبة، بهدف الوصول إلى طاولة المفاوضات بوضع أقوى، وبالتالي ضمان بقاء شبه جزيرة القرم تحت السيطرة الروسية، والاستيلاء على أكبر قدر ممكن من الأراضي في شرق أوكرانيا. ولا يمكن تجاهل دلالة استيراد الأسلحة والذخائر الروسية الذي بدأ منذ أغسطس من العام الماضي، والذي تعزز بشكل كبير بتوقيع اتفاقية الدفاع المشترك قبل خمسة أشهر.
ولكن كيف تعاملت الدول الأوروبية مع هذه التطورات المحورية التي تسارعت وتيرتها خلال العام الحالي، وبلغت ذروتها بوصول جنود من أحد أكبر جيوش العالم (الجيش الكوري الشمالي الذي يضم 1.2 مليون جندي) إلى الشرق الروسي؟ يكتسب هذا السؤال أهمية خاصة مع احتمال فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية المقبلة، الأمر الذي قد يؤثر بشكل كبير على الالتزام الأمريكي بدعم أوكرانيا، وهو الدعم الذي لم يكن كافياً في نظر الأوروبيين حتى في ظل الإدارة الأمريكية الحالية منذ اندلاع الصراع في عام 2022. وكما وصفه أحد الأكاديميين خلال حلقة نقاشية: "أمريكا منشغلة بالصين وتركتنا لروسيا وحدنا".
لقد بذلت بريطانيا والدول الأوروبية جهوداً مضنية لدعم الجيش الأوكراني وتمكينه من الصمود، وعلى المنوال نفسه سارت أطراف أوروبية أخرى، وعلى رأسها فرنسا. لكن الخطوة الأكبر والأكثر دلالة كانت "اتفاقية ترينيتي هاوس" التي وقعها وزير الدفاع البريطاني جون هيلي مع نظيره الألماني بوريس بيستوريوس. بموجب هذه الاتفاقية، ستقوم طائرات ألمانية من طراز P8 بالعمل "بشكل دوري" من القاعدة الاسكتلندية في لوسيماوث، وذلك ضمن بنود تعاون أخرى.
بالتأكيد، يمثل هذا الاتفاق على المستوى البريطاني مؤشراً على رغبة حزب العمال في تعزيز العلاقات مع أوروبا، بعد 14 عاماً من حكم المحافظين الذي أفضى إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست). لكنه أيضاً دليل قاطع على رغبة جميع الأطراف الأوروبية في بناء قدرات دفاعية تضمن لها منع التوسع الروسي إلى ما بعد أوكرانيا، حتى في حال غياب الدعم الأمريكي أو تضاؤله. وفي السياق ذاته، سعت أطراف أخرى لفرض المزيد من العقوبات على موسكو مؤخراً، خاصة مع التخوف المتزايد من سيناريو عودة ترامب إلى السلطة.
قبل أسبوع واحد فقط من حسم الانتخابات الأمريكية، يصعب التكهن بمن سيشغل المكتب البيضاوي في البيت الأبيض. لكن مما لا شك فيه أن واشنطن ستظل لاعباً محورياً في ساحات كثيرة، سواء من خلال تدخلها المباشر والحاسم كما حدث خلال الحرب العالمية الثانية، أو من خلال تأثير غيابها أيضاً.
اليابان وكوريا الجنوبية تبديان انزعاجهما العميق إزاء اتفاقية الدفاع المشترك والمساعدة العسكرية المتبادلة التي أبرمت بين روسيا وكوريا الشمالية. هذه المعاهدة تعني أن روسيا والصين أصبحتا جارتين بشكل مباشر لكوريا الجنوبية واليابان، بالإضافة إلى كوريا الشمالية، وهو ما يفرض تحديات جسيمة على الأمن الاستراتيجي لهذين الحليفين الغربيين. هذه التطورات تثير قلق أستراليا أيضاً، وإن كان ربما بدرجة أقل حدة.
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فالاتفاقية المذكورة أسفرت، كما تؤكد واشنطن ومصادر عديدة، عن مشاركة جنود كوريين شماليين في الصراع الروسي الأوكراني. هذه المشاركة تمنح القوات الكورية الشمالية خبرات قتالية ثمينة، وهو عنصر كان ينقصها بشدة، حيث لم تشارك في أي عمليات قتالية منذ عام 1953. إضافة إلى ذلك، تتيح لهم هذه الفرصة اختبار فعالية صواريخهم، التي بدأت روسيا بالفعل في استخدامها، مما سيؤثر سلباً على التوازن الأمني في شبه الجزيرة الكورية. ومع ذلك، سأركز في مقال اليوم على التداعيات المحتملة على الساحة الأوروبية.
التحرك الروسي ينم عن رغبة واضحة في تغيير موازين السيطرة الميدانية قبل الانتخابات الأمريكية المرتقبة، بهدف الوصول إلى طاولة المفاوضات بوضع أقوى، وبالتالي ضمان بقاء شبه جزيرة القرم تحت السيطرة الروسية، والاستيلاء على أكبر قدر ممكن من الأراضي في شرق أوكرانيا. ولا يمكن تجاهل دلالة استيراد الأسلحة والذخائر الروسية الذي بدأ منذ أغسطس من العام الماضي، والذي تعزز بشكل كبير بتوقيع اتفاقية الدفاع المشترك قبل خمسة أشهر.
ولكن كيف تعاملت الدول الأوروبية مع هذه التطورات المحورية التي تسارعت وتيرتها خلال العام الحالي، وبلغت ذروتها بوصول جنود من أحد أكبر جيوش العالم (الجيش الكوري الشمالي الذي يضم 1.2 مليون جندي) إلى الشرق الروسي؟ يكتسب هذا السؤال أهمية خاصة مع احتمال فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية المقبلة، الأمر الذي قد يؤثر بشكل كبير على الالتزام الأمريكي بدعم أوكرانيا، وهو الدعم الذي لم يكن كافياً في نظر الأوروبيين حتى في ظل الإدارة الأمريكية الحالية منذ اندلاع الصراع في عام 2022. وكما وصفه أحد الأكاديميين خلال حلقة نقاشية: "أمريكا منشغلة بالصين وتركتنا لروسيا وحدنا".
لقد بذلت بريطانيا والدول الأوروبية جهوداً مضنية لدعم الجيش الأوكراني وتمكينه من الصمود، وعلى المنوال نفسه سارت أطراف أوروبية أخرى، وعلى رأسها فرنسا. لكن الخطوة الأكبر والأكثر دلالة كانت "اتفاقية ترينيتي هاوس" التي وقعها وزير الدفاع البريطاني جون هيلي مع نظيره الألماني بوريس بيستوريوس. بموجب هذه الاتفاقية، ستقوم طائرات ألمانية من طراز P8 بالعمل "بشكل دوري" من القاعدة الاسكتلندية في لوسيماوث، وذلك ضمن بنود تعاون أخرى.
بالتأكيد، يمثل هذا الاتفاق على المستوى البريطاني مؤشراً على رغبة حزب العمال في تعزيز العلاقات مع أوروبا، بعد 14 عاماً من حكم المحافظين الذي أفضى إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست). لكنه أيضاً دليل قاطع على رغبة جميع الأطراف الأوروبية في بناء قدرات دفاعية تضمن لها منع التوسع الروسي إلى ما بعد أوكرانيا، حتى في حال غياب الدعم الأمريكي أو تضاؤله. وفي السياق ذاته، سعت أطراف أخرى لفرض المزيد من العقوبات على موسكو مؤخراً، خاصة مع التخوف المتزايد من سيناريو عودة ترامب إلى السلطة.
قبل أسبوع واحد فقط من حسم الانتخابات الأمريكية، يصعب التكهن بمن سيشغل المكتب البيضاوي في البيت الأبيض. لكن مما لا شك فيه أن واشنطن ستظل لاعباً محورياً في ساحات كثيرة، سواء من خلال تدخلها المباشر والحاسم كما حدث خلال الحرب العالمية الثانية، أو من خلال تأثير غيابها أيضاً.
